
البلاستيك منتج غامض يقبع في منازلنا: محاولة لفك اللغز
الأكياس البلاستيك سم خطير أم وعاء برئ ؟
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود تسللت المنتجات البلاستيكية إلى حياتنا، وأصبحت تمثل النسبة الأكبر في مطابخنا ومنازلنا، واختلف المستهلكون حول أهمية المنتجات، فالبعض أصر على التمسك بالأواني الزجاجية والمعدنية والأكياس الورقية حيث إعتدنا عليهم، بينما توسع البعض الآخر في إستخدام المنتجات البلاستيكية لما تمثله من جمال في الشكل وخفة في الوزن وطول في العمر.
الخلاف الأخطر والأهم بين علماء الأغذية والبيئة والكيمياء حول مدى خطورة المنتجات البلاستيكية ما شكل غموضاً حاولت ان أفك طلاسمه عبر وجهات النظر المتباينة.
وكانت دراسة متخصصة قد ذكرت أن نقل او حفظ الأطعمة والمواد الغذائية في الأكياس البلاستيك أو النايلون أو العلب البلاستيك يشكل خطورة على الصحة وقد يزيد من فرص الإصابة بالسرطان لاسيما إذا كانت هذه الأطعمة ساخنة.
وأوضحت الدراسة التي أعدتها الدكتورة سحر العقبي رئيسة قسم علوم الأطعمة والأغذية بالمركز القومي للبحوث في مصر أن خطورة إستخدام الأكياس البلاستيك ترجع إلى المادة الكيميائية التي تدخل في تركيبها والتي يمكنها التفاعل مع المادة الغذائية خاصة إذا كانت المادة الغذائية قادرة على النفاذ داخل مادة الكيس فتتجانس مع الطعام.
وتضيف ان المواد الضارة تذوب في الغذاءوتكون إحدى العوامل المساعدة للإصابة بالسرطان اذا ما تكرر إستخدام الأكياس البلاستيك بصورة يومية مستمرة، مشيرة إلى أن ذلك قد يؤدي إلى وجود متبقيات من مادة البلاستيك في دم الإنسان والتي تعتبر من المسببات لأخطر الأمراض.
وتشير سحر إلى انه قد يحدث تفاعل بين العبوات والأغذية خاصة المواد الدهنية التي يسهل ذوبان المادة البلاستيكية بها حيث يحدث نفاذ الدهون إلى مادة العبوة البلاستيكية كما يحدث تسرب للمواد البلاستيكية إلى الغذاء.
وتضيف أن هذا التسرب يتوقف على درجة الحرارة وطول فترة التخزين بداخل العبوة، مشيرة إلى أنه كلما إزدادت تلك العوامل يزيد معدل التسرب والنفاذ.
وتطالب سحر بضرورة إستخدام المواد الطبيعية والتي لها خاصية إعادة التصنيع مثل الورق والزجاج، موصية بإستعمال سلة خاصة لوضع الخبز وهو ساخن أو اكياس ورقية أو كرتونية مصنوعة من مواد نظيفة وليس عليها احبار للطباعة فضلا عن وضع مياه الشرب في زجاجات بدلا من العبوات البلاستيكية.
كما أوصت بعدم التخلص من المواد والمخلفات البلاستيكية بالحرق، محذرة من أن ذلك ينتج عنه حامض قوي وهو حمض الهيدروليك ومواد أخرى شديدة السمية وأكثر هذه المواد مسببة للسرطان.
وخلصت إلى أن هذه المواد البلاستيكية يمكن ان تدخل الجسم عن طريق الغذاء أو الدواء أو الماء لتحدث تلوثاً يتراكم مع الوقت ليلحق أضراراً بأجهزة الجسم المختلفة سواء في الإنسان أو الكائنات الحية الأخرى.
وفي السياق ذاته يطالب الدكتور مجدي علام خبير البيئة بضرورة تصنيع الأكياس البلاستيكية التي تستخدم في تعبئة السلع الغذائية من خامات جديدة ونظيفة، ويحظر من إستخدام المواد المعاد تدويرها او إستخدام عبوات من خامات البلاستيك المعروفة باسم ” بولي كلوريد الفينيل” وذلك لأن هذا الخام يحتاج اثناء تصنيعه لاضافة العديد من الاضافات لتحسين خواص المواد البلاستيكية والتي تلوث المواد الغذائية، كما يتصاعد منها غاز كلوريد الهيدروجين الذي يختلط بالأطعمة عند تأثير الحرارة عليه، لذا يجب عند تعبئة المواد الغذائية الساخنة مثل الفول والكشري وغيرها إستخدام الأكياس البلاستيكية الشفافة عديمة اللون غير المعاد تدويرها والمصنعة من بولي الايثلين أو بولي البروبلين.
ويدعو علام إلى ترشيد إستخدام الاكياس البلاستيكية لأن لها أثر بيئي بالغ الخطورة على التربة والبحار والثروة السمكية و المراعي والماشية حيث أن إلقاء كميات كبيرة منها في القمامة يصعب التخلص منه لذلك يتم جمعها والتخلص منها بالحرق والذي يتم إما بطريقة عشوائية في اقل من درجة 1200م خارج المحارق الخاصة ما يؤدي لانتاج غاز الديكوسين والفيوران وهي غازات سامة ومسرطنة، بالإضافة إلى ان القاء بقايا الأكياس البلاستيكية في التربة يؤثر على صلاحيتها ويؤدي الى نفوق العديد من الاغنام والماشية عندما تتغذى عليها، كما يمتد الأثر السيء لهذه الأكياس عند إلقائها على الشواطئ فتنتقل إلى مياه البحار والأنهار مسببة وفاة الأسماك.
ويطالب بضرورة ترشيد إستخدام الاكياس البلاستيكية وعمل برامج لتشجيع التجار على استخدام الاكياس الورقية او المصنوعة من الجوت او الكتان او اية مواد طبيعية يسهل تحللها.
ويتساءل علام لماذا لم تنشئ الشركات الخاصة بجمع القمامة ورشا لتدوير المخلفات كالورق والكرتون وإنتاج اكياس بسعر رخيص ينافس الأكياس البلاستيكية، رغم ان العقود الخاصة بها تتضمن إنشاء تلك الورش وينطبق هذا على معظم الدول العربية.
الدكتور مجدي مطاوع الدكتور مجدى مطاوع – استاذ كيمياء البلمرات بمعهد البحوث البترولية – يوضح ان المواد البلاستيكية تشتق جميعها من المواد البتروكيميائية، ولكنها تشتمل على أصناف عديدة ومتنوعة يختلف كل منها في التركيب الكيميائي والخواص، وعلى أساس ذلك التركيب وتلك الخواص يتم تشغيلها وتصنيعها وتحويلها الى منتجات بلاستيكية تستعمل في مجالات مختلفة على حسب تلك الخواص والتركيب الكيميائي.
واشار الى ان هناك مواد اضافية تضاف الى الخامة البلاستيكية لتحسين خواصها اثناء تحويلها الى منتجات بلاستيكية وهي عبارة عن مواد كيميائية مثل المواد الملينة والملدنة التي تحسن من الخواص الميكانيكية وتكسبها ليونة مميزة، وغالبا ما تكون تلك المواد من الفثالات الضارة والمؤذية او المسرطنة اذا ما دخلت بكميات كبيرة في غذاء او شراب الانسان.
ويشير الى انه يحظر تماما عالميا تصنيع اي عبوات للسلع الغذائية من خام البلاستيك من نوع “بولي كلوريد الفينيل” في اي مجال يمس صحة الانسان من غذاء وشراب ودواء حيث يحتاج هذا الخام الى كميات كبيرة من الاضافات لتحسين خواصه التي تلوث المواد الغذائية عند هجرتها اليها، موضحا انه يمكن ان نصنع منه عبوات وبراميل لتعبئة الكيماويات والمنظفات او المبيدات واواني التنظيف.
ويستهجن مطاوع بعض السلوكيات الضارة مثل قيام بعض أصحاب المحلات باعادة استخدام العبوات المصنعة من خام بولي كلوريد الفينيل او البويات والدهانات في تمليح الأسماك او تخليل الخضروات او السلطة الخضراء، لخطورة تلك العبوات على صحة الانسان وذلك لإحتمالية تأثير الخام الأساسي على الصحة، ويحذر مطاوع مما أسماه بهجرة الإضافات الكيماوية مثل الملدنات والالوان إلى محتواها من السلع الغذائية لضررها البالغ على صحة الانسان.
ولكنه يعود ليشير الى ان هناك بعض خامات البلاستيك من نوع بولي الايثلين وبولي البروبلين وبولي الاستيرين لا يضاف اليهم اضافات اثناء تصنيعهم ، ولا يوجد خطر على الصحة العامة من تركيبهم الكيميائي، ولا ضرر من ان يصنع منها الاكياس البلاستيكية والعبوات والزجاجات وعلب حفظ الاطعمة، وهي مواد بلاستيكية آمنة.
ويدعو مطاوع اصحاب المصانع الى التاكد من تاريخ صلاحية العبوات البلاستيكية مثلها في ذلك مثل السلع الاخرى، لان خواصها تبدا في التدهور والاختلال في تركيبها الكيميائي بعد فترة زمنية محددة، مشيرا الى ان زجاجات المياه المعدنية والخل والزيت تصنع من خامة ” بولي ايثلين تيرفيثالات” وهذا الخام ثابت عند درجات الحرارة العادية والمنخفضة داخل الثلاجات ولا يتحلل ومن ثم لا ينتج اضرارا على المشروبات او السلع الغذائية وليس هناك خطر من اعادة تعبئتها بماء الشرب واستعمالها مع مراعاة تاريخ صلاحيتها.
وحذر من ادوات المائدة الرخييصة التي تصنع من اليوريافورمالدهيد التي تستعمل في تصنيع ادوات الحمام وبعض الادوات الكهربائية، ونظرا لسهولة انبعاث غاز الفورمالدهيد الذي يذوب في الماء مكونا الفورمالين الضار الذي يؤذي الصحة، ودعا الى التاكد من ان ادوات المائدة المعروفة بالميلانين مصنعة من خام الميلانين فورمالدهيد لانه لا يتحلل بسهولة مع الحرارة او البرودة للماكولات والمشروبات.
وشدد على خطورة استخدام الاكياس السوداء في تعبئة السلع الغذائية مشيرا الى انها تصنع من النفايات البلاستيكية الملونة بعد ان يضاف عليها اسود الكربون (الهباب) المسرطن لاخفاء اللون ويضاف اليها الزيت المحروق المستخرج من السيارات بما فيه من اثار مدمرة، علاوة على ان النفايات البلاستيكية قد تكون نفايات طبية ملوثة، موضحا انه يمكن اقامة مصنع للبلاستيك في اضيق المساحات وبمبالغ زهيدة وكمية من البلاستيك المفروم التي يمكن الحصول عليها من اي مقلب للقمامة ما ينتج مواد بلاستيكية ذات ضرر بالغ على الصحة.
بقلم: ياسمين النديم