
” فيك ، أيتها الروح ، أقيس أنا الزمان “
القديس أوغسطين ـ الاعتراف17/11 ـ
هل يعيش الانسان أوطانا مرسومة على خرائط العالم المرئي، ام انه يحيا وطنا آخر لا وجود له في عالم الظاهرات اطلاقا ؟
هل انت كإنسان تحيا وفقا لزمان العالم الخارجي ام انك تسعى وراء خفايا الزمان الدنيوي ؟
وكيف تسعى وراء الوجود الدنيوي وانت لم تعترف بالدنيا يوما ؟
إذا كان الواقع الحقيقي هو الحلم الذي لا يمتلك إلا خارج المكان فان قرينه الزمان لا يمتلك إلا خارج الزمان ايضا.ان ما يعيشه الانسان في الدنيا ليس الا منفى يحيا فيه فاجعا وحيدا، يقوده قدره ان يحيا مغتربا في هذه الدنيا.
يحيا الانسان غريبا في العالم لانه يحيا خارج حدود واقعه الحلم وانما روحه تحيا زمانا اخر لا صلة ولا شبه بينه وبين الزمان الدنيوي.
صاحب المنفى ليس من اغترب عن المكان، ليس من استبدل وطنا بوطن او ارضا بارض ، او حبيبا بعشيق، ولكن الغريب حقا هو ذلك الانسان الذي اغترب عن كيانه الروحي، عن زمانه الروحي، عن زمانه الحقيقي، ليحيا مقيدا باغلال القدر وسيطرة المجتمع اللاواقعي.
لتعلم ان السر الكامن بداخلي اتضح لي عندما احسست بيدك تلمس روحي ، أصابتني حمى غريبة ليست حمى العشق وانما هي حمى الشفاء من مرض اسمه الدنيا.
الانسان قد يشعر بدفق الصيرورة في كيانه عندما يكتشف ذاته عبر الآخر.
ـ يتحدث افلاطون في كتابه (المأدبة) عن كائن خارق القوة كان يدب على اربع ويرى في كل الاتجاهات، ويحمل ذاته مبدأي الذكورة والانوثة معا وكان ذلك يعني بقاؤه قويا معافى لا يشعر بالملل ولا يهاب احدا ، ومثل هذه الحالة ارعبت الالهة ومن هنا بدا التفكير للقيام بطريقة تسمح باضعاف هذا الكائن ونجحت الطريقة وذلك عندما فصل الكائن الى نصفين: احدهما ذكر والاخر انثى وربما كان بحث كل من الجنسين عن الاخر واشتياقه اليه وتمسكه به على اكثر من صعيد تاكيدا لحيوية هذه الفكرة وذلك عبر ما نسميه الحب، هذا الحب الذي يرشدنا الى ما هو قريب منا و يعيدنا الى حياتنا الاولى فتندمل جروحنا
* ما هي الحقيقة ؟
أجاب المسيح : حقيقتي ليست من هذا العالم
ولعل رحلة جلجامش الى العالم السفلي لم تكن سوى رحلة الانسان في بحثه عن الوطن الحقيقي ، عن روحه المفقودة
واخيراً اقول : إن الاندفاع نحو عالم آخر هو العالم اللامرئي، العالم الآخر، تفضح تلك القدسيات التي يغلف بها ذوو السلطان اجسادهم.
بقلم: ياسمين النديم